وقع أكثر من مئة مثقف مغربي عريضة تدعو إلى وضع حد لما رأوا فيه تمييزا ضد المرأة في قوانين الميراث، حيث دعوا إلى إلغاء قاعدة التعصيب لأنها ظالمة للمرأة، والإرث بالتعصيب أمر تقديري وليس مثل الإرث بالفرض المحدد بالنص.

 

وبحسب نص العريضة فإن نظام الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة،أما "السياق الاجتماعي الحالي وما عرفه من تغير في البنى والأدوار الاجتماعية، يجعل من تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام"، على حد تعبير النداء المذكور.

 

 

                  

 

ونقدم هنا مختصرا لمقال قضايا الإرث بين التسيب والاجتهاد للدكتور عبد الله الجباري جوابا على هذه القضية:

 

أثيرت وتثار قضايا الإرث في المغرب، مرة بعد أخرى، مرة بشكل فردي وشخصي من قبل بعض المعارضين لمقررات الإرث، ومرة بشكل جماعي، وفي الآونة الأخيرة، صدرت عريضة موقعة من قبل مائة شخصية وُصفت بـ”الوازنة”، تدعو إلى إلغاء التوريث بالتعصيب، بناء على مسوغات سننظر فيها أدناه.

 

بالنظر في المنظور الإسلامي للمال ، فالله تعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض، وبما أن المال بكل أنواعه جزءا من الأرض، فإن الإنسان مستخلف في المال ضرورةً، لذا قال عز وجل : “آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه”، ولم يقل جل وعز : وأنفقوا من أموالكم، أو : أنفقوا من ممتلكاتكم، أو غيرها من العبارات. ولم ينسب المال للإنسان حقيقةً، بل جعله مجرد مستخلف فيه. مما يعني أن التصرف المستقل في المال هو لمالكه حقيقةً، وهو الله تعالى، لذا يتدخل بأحكامه الحكيمة في الأموال، فيفرض الزكاة، ويحرم معاملات بعينها، ويبيح أخرى. ولو كانت للإنسان الملكية التامة للمال، لكانت عنده الحرية المطلقة في التصرف فيه، ولمَا تدخل الله تعالى فيه بإيجاب زكاة أو ترغيبٍ في صدقة أو غيرهما.

 

ومن لم يفهم مبدأ الاستخلاف، ولم يستوعب قضاياه، سيحتج على منح الأنثى نصف الذكر، وسيحتج على التعصيب، ولن يتوقف احتجاجه واستنكاره. ومن أدرك فلسفة الاستخلاف، يستقبل أحكام الله في توزيع التركة مسلِّما ومستسلما، راضيا بها، مطمئنا لفروضها.

 

ذكر الله تعالى في محكم كتابه قضايا الإرث في ثلاث آيات من سورة النساء. اثنتان في بدايتها، وختم السورة بالثالثة، واستعمل فيها ألفاظ وعبارات يجب على المسلم أن يتوقف عندها، ويستوعب مدلولها ومعناها.

 

افتتح الله تعالى المواريث بقوله تعالى : “يوصيكم الله” وختم حالات إرث الإخوة لأم بقوله تعالى : “وصية من الله”. ووصف أنصبة الورثة المذكورة في النص بكونها “نصيبا مفروضا”، وختم حالات الوالدين بقوله تعالى : “فريضة من الله”، وختم هذه الحالات كلها بقوله : “تلك حدود الله”. وافتتح حالات الإخوة في آخر السورة بقوله تعالى : “قل الله يفتيكم”. وختمها بقوله تعالى : “يبين الله لكم أن تضلوا”، وبالتأمل في هذه العبارات ومعانيها، نفهم بما لا مجال للشك فيه، أن الأحكام القطعية المتضمنة في هذه الآيات هي أنصبة مفروضة من الله، ووصية الله، وفريضة الله، وحدود الله، وفتوى الله، وبيان الله. عزّ الله، جلّ الله.

 

وقد يتذرع البعض لإدخال بعض التغييرات في أحكام الإرث القطعية، كالتسوية بين الابن والبنت، بدعوى تغيرات الظروف والأحوال من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا، وقد علم الله تعالى في سابق علمه وقوع هذه التغيرات، وعلم الله تعالى في سابق علمه صدور هذه الذرائع من أهل عصرنا، ولعل ذلك هو السبب في التركيز على صفة العلم الإلهي في آيات المواريث، فقال تعالى في ختام حالات الأولاد والوالدين : “إن الله كان عليما حكيما”، وقال تعالى في ختام حالات الزوجين والإخوة لأم : “والله عليم حليم”، وختم حالات إرث الإخوة بقوله جل وعز : “والله بكل شيء عليم”. وهذا التكرار والتأكيد لصفة العلم الإلهي في هذا السياق، لا أرى له موجبا إلا لينبهنا إلى أنه سبحانه يعلم ما سيقع من متغيرات في الظروف الاجتماعية، ورغم ذلك، لم يترك بعض الأحكام لاجتهادنا، بل نص عليها بالنصيب المفروض القطعي.

 

 

إذا أخذنا هذا المثال: ماتت امرأة، وتركت زوجا وأما وأبا، فللزوج النصف (6/3)، وللأم الثلث (6/2)، وللأب الباقي (6/1)،نجد أن الأم ترث بنص القرآن ضعف الأب.

 

 

جاء في العريضة : “ينتج عن تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس، ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام،حيث يعطي قانون المواريث الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا، في حال كان الوريث الوحيد، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدرا معلوما يسمى فرضا". وبعد صدور العريضة، كتب خالد الحري افتتاحية في جريدة الصباح، ضمّنها قوله : "إن نداء المثقفين لحظة تاريخية لمجتمع ونخبته، قررا قطع شعرة معاوية، مع التخلف وظلم المرأة". وهكذا نجد الحديث عن الظلم والظلم الكبير ورفع الظلم، وغير ذلك، والسؤال : أين هو الظلم ؟ فالقانون المغربي لم يَحرم البنت من الإرث، ولم يحرمها من نصيبها القرآني، ولو حرمت من هذا لكان ظلما حقا. فعلى أية مرجعية يقف هؤلاء ليصفوا هذا ظلما وذاك عدلا؟ أم أن المسألة مجرد أحكام انطباعية لاغير ؟

 

وما يراه أحدنا ظلما، قد يراه الآخر عدلا. وإذا تم التوافق على إعطاء حق لشخص دون آخر، لا يسمى هذا المَنح ظلما للغير.

 

وقد يزعم المرء –بحسن نية أحيانا – قصد العدل وإرادته، ويسلك في ذلك مسلك الهوى، وهو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله : “فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا”، قال ابن العربي المعافري : “معناه لا تتبعوا أهواءكم في طلب العدل برحمة الفقير، والتحامل على الغني”، وما قام به أصحاب العريضة، هو محاولتهم طلب العدل، برحمة البنت، والتحامل على الأخ أو العم، سواء بسواء.

 

ومن معاني “العدل” : المساواة. والمساواة لا تكون إلا بين الشيء ومثيله ونظيره، وإذا أردنا أن نحكم بالعدل في الإرث، فلنقارن بين البنت والبنت، وليس بين البنت والعم أو الأخ، لأنهما ليسا نظيرين ولا مثيلين لها.

 

أما العدل في الأحكام الإلهية الشرعية، فما يُعرف إلا بالله تعالى، وكيفما صرف حكمه فهو العدل.

 

 

جاء في العريضة: "ما الذي يبرر أن يظل الأقارب الذكور (الأقربون والأبعدون) يتقاسمون الإرث مع فتيات يتيمات لا يتحملون مسؤوليتهن المادية أو المعنوية في شيء ؟ إذ أن القانون الذي يبيح لهم اقتسام إرث لم يساهموا فيه، لا يجبرهم في المقابل على حماية ورعاية الأسرة المعنية".

 

إذن فإنهم يستنكرون على الوارث نيل حصة من "ثروة لم يسهم فيها". مما يعني أن سبب الإرث في مخيلتهم هو الإسهام في الثروة، مَن أسهم فيها فله الحق في الإرث، ومن لم يسهم فلا حق له. وليس القرابة والزوجية حسب القاعدة الفقهية.

 

وبناء على رأي العريضة وأصحابها المائة، فإننا نقرر الآتي :

 

** من مات وترك ابنه جنينا في بطن أمه، فالجنين لا يرث، لأنه لم يسهم في الثروة/التركة.

 

** من مات وترك أطفالا صغارا، رضعا أو رضيعات، فلن يرثوا، لأنهم لم يسهموا في الثروة/التركة.

 

** من مات بعد زواجه بأيام قليلات، فزوجته لن ترث، لأنها لم تسهم في ثروته.

 

 

إن توسيع قاعدة الإرث، وإعطاء الأخ أو العم نصيبا من التركة، لهُو من صميم مقاصد الإسلام، لأنه يرسخ مبدأ التكافل الأسري، ومبدأ تداول الأموال، "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"، ويرسخ مبدأ تمتين العلاقات بين أفراد العائلة، وغيرها من المقاصد السامية.

 

 

وجاء في العريضة أيضا : "فما الذي يسوغ أن يستمر العمل بقانون التعصيب ؟ علما بأن هذا القانون لا يجد أي سند في القرآن الكريم، فضلا عن أنه لا يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل بين الناس".

 

وعدم وجود أي سند في القرآن للتعصيب غير سديد. بل هو مذكور في القرآن، ففي حالة الابن المنفرد دون البنت، سكت عنه القرآن، ولم يبين فرضه، وهذه إشارة إلى أخذ نصيبه تعصيبا.

 

 

قاعدة التعصيب، تلزم النساء الوارثات اللواتي ليس لهن أخ ذكر، بأن يقتسمن أملاك الأب المتوفى، مع أقاربه الذكور.*

 

للمزيد من المعلومات حول مسائل الإرث:

http://www.google.fr/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=0ahUKEwjjyJHwxJraAhWCxRQKHU9bBRsQFggoMAA&url=http%3A%2F%2Felibrary.mediu.edu.my%2Fbooks%2FSDL1797.pdf&usg=AOvVaw3U3K2-w6ohurMLHHXXNwUi

أضف تعليق

Les points de vues exprimés dans les commentaires reflètent ceux de leurs auteurs mais ne reflètent pas nécessairement le point de vue officiel de Yawatani.com qui, par conséquent, ne pourra en être tenu responsable.
De plus, Yawatani.com se réserve le droit de supprimer tout commentaire qu'il jurera non approprié.


كود امني
تحديث