في مكة قبل الهجرة، بعثت قريش عتبة بن ربيعة إلى النبي مفاوضا له قصد التخلي عن رسالته، وكان ذلك حين أسلم عمه حمزة، وأخذ أصحاب الرسول يزيدون، فقال عتبة وهو جالس في نادي قريش، والرسول جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمَه وأَعرضَ عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء و يكف عنا. قالوا: نعم يا أبا الوليد قم إليه فكلمه. فقام عتبة حتى جلس إلى الرسول وقال: يا محمد إنك واحد منا ذو شرف ونسب، وإنك قد أتيتَ قومك أمرا عظيما فاسمع مني ما اقترح عليك

 

 

فأجابه الرسول : قل يا عتبة، فإني أسمع.

 

-قال عتبة: يا ابن أخي، إذا كنت جئت بهذا الدين من أجل المال، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أثرانا، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك هلوسة من الجن، طلبنا لك الأطباء و بذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه.

 

. -قال : أفرغت يا عتبة ؟ قال عتبة: نعم، فقال له : فاسمع مني- قال عتبة: افعل

 

فقرأ عليه النبي من سورة فصلت: «بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فُصلت آياته قرءانا عربيا لقوم يعلمون ...» وعتبة منصت إليه وقد ألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها، فلما انتهى الرسول إلى قوله تعالى: «فإن اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود» (سورة فصلت، الآية 12)، انتفض عتبة من مكانه ووضع يده على فم الرسول وهو يقول له: قومَك يا محمد لا تدع عليهم.

 

-ثم قال له : قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك. ذُهل عتبة من كلام الله الذي سمعه وسكت ولم يدر بماذا يجيب، ثم استأذن بالانصراف ورجع إلى أصحابه خائبا بعد أن كان يظن أن النفوس كلَها تُشترى بالمال، أو السيادة أو السلطة. ولما عاد إلى قومه قالوا له: نحلف بالله إنك عدت بغير الوجه الذي ذهبت به يا عتبة. ما وراءك يا رجل ؟ لماذا أنت مذهول هكذا؟

 

فقال عتبة: لقد سمعت قولا والله ما سمعت قبله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا هو بالكِهانة، يا معشر قريش أطيعوني وأخلوا سبيل هذا الرجل، فإن تصبه العرب فقد أراحكم منه غيرُكم، وإن ظهر أمرُه على العرب فمُلكه مُلككم و عِزه عِزكم وكنتم أسعد الناس به.

 

-قالت قريش: تبا لك يا رجل! والله لقد سحرك بلسانه. فقال عتبة: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.

 

أصول وآداب الحوار المستفادة من قصة عتبة بن ربيعة

 

قصة عتبة بن ربيعة تعطينا أروع مثال في أدب الحوار وحسن الإنصات، وترك الخلاف المذموم المؤدي إلى انقطاع التواصل مع المخاطب. لقد أنصت الرسول صلى الله عليه وسلم لعتبة ولم يقاطعه حتى أتم كلامه بالرغم من أنه يعرف مسبقا معرف زائره منه.

 

يستفاد من مسلك الرسول خلال هذه القصة في ما يتعلق بأصول الحوار المتعارف عليها ما يلي:

 

-حسن الإنصات وإعطاء الفرصة في الكلام للمخاطب لكي يقول كل ما عنده دون مقاطعته.

 

-مواجهة المتحاور وعدم الإعراض عنه وخفض الجناح له وعدم التعالي عليه.

 

-استعمال الخطط المتعارف عليها في علم التواصل، منها : الخطة التلميحية ،الخطة الإقناعية، الخطة التوجيهية، الخطة التشاركية.

 

-إعطاء الحق للآخر في التعبير ومخاطبته باللغة التي يفهمها حتى وإن لم نتفق معه في ما يقوله، فليس من الضروري أن يتبنى الآخر ما أقوله.

 

-تحديد الهدف من الحوار( بمعنى وحدة الموضوع) لأنه لا يصح أن يكون الحوار في مسألتين مختلفتين.

 

-تحسين الظن بالمحاور (الابتعاد عن الأحكام المسبقة) وعدم قراءة نواياه وحمل كلامه على أحسن المحامل ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

 

-الابتعاد عن الجدل المذموم والخلاف الممقوت والإلمام بتخصص الآخر ومنطلقاته.

 

-التجرد والإخلاص والموضوعية وعدم تصيد أخطاء المحاور.

 

-الإقرار بالاختلاف. الاختلاف سنة الله في خلقه ولو تساوى الناس لتعطلت الحياة ولكن الاختلاف بين الناس يعطي غنى و ثراء لا حدود له، قال تعالى في سورة هود، آية 118 : "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم."

 

 

بتصرف من مقال للدكتور محمد كوحيلة.

 

أضف تعليق

Les points de vues exprimés dans les commentaires reflètent ceux de leurs auteurs mais ne reflètent pas nécessairement le point de vue officiel de Yawatani.com qui, par conséquent, ne pourra en être tenu responsable.
De plus, Yawatani.com se réserve le droit de supprimer tout commentaire qu'il jurera non approprié.


كود امني
تحديث