معنى التسري في اللغة والاصطلاح:

 

التسري في اللغة: اتخاذ السرية. يقال: تسرى الرجل جاريته، وتسرى بها واستسرها: إذا اتخذها سرية، وهي الأمة المملوكة يتخذها سيدها للجماع، وهي من السرور؛ لأنها موضع سرور الرجل؛ ولأنه يجعلها في حال تسرها من دون سائر جواريه، والتسري في الاصطلاح لا يختلف عن معناه اللغوي.

 

 

والتسري كان معروفا في كل الأمم قبل الإسلام، وقد كان الإسلام أول نظام يعرفه البشر يقيد هذا الأمر، ويضع له شروطا لا بد من تحققها، وهو بذلك قيد موردا من أكبر موارد الرق.

 

ومن الشروط والقيود التي وضعها الإسلام لنظام التسري، والتي تكفل للإماء الكرامة وكثيرا من الحقوق التي لم ينلنها في أي تشريع آخر غير الإسلام  أنه:

 

لا يجوز استرقاق الجواري في الحروب إلا إذا كانت هذه الحرب مشروعة، أي يجيزها الإسلام، فإذا لم تكن كذلك، فإنها لا تؤدي إلى رق من يؤسرون فيها.

 

لا يجوز للمسلم أن يقضي وطره مع أية أسيرة من أسرى الحرب إلا بعد أن يقضي الحاكم باسترقاقهن.

 

لا يجوز للمسلم أن يقضي وطره إلا بعد أن تصبح ملك يمين له، ولا تكون الأسيرة كذلك إلا أن تصبح نصيبه من الغنيمة، أو أن يشتريها من غيره إذا كانت مملوكة، وبعد أن تصبح ملكا له، لا يجوز أن يمسها إلا بعد أن يستبرأها بحيضة على الأقل للتأكد من عدم حملها.

 

إذن لم يترك الإسلام أمر التسري بالجواري مطلقا دون قيود كما كان قبل الإسلام، ولم يتركه لأهواء الجنود؛ لكي يستبيحوا حرمات الأسيرات والاعتداء عليهن بقسوة ووحشية، كما كان يحدث قبل الإسلام، نرى الأسيرات في النظام الإسلامي ينلن جميع حقوق الزوجات من: رعاية وإطعام وكسوة وسكن وحماية لأعراضهن.

 

المقاصد الشرعية من إباحة التسري بالجواري في الإسلام:

 

إن الإسلام وإن أباح للمسلمين استرقاق أسرى الحرب بمقتضى الضرورة الملحة، إلا أنه قد دعاهم إلى أن يعاملوهم بأحسن أنواع المعاملة من الخير والمعروف، وهيأ من الأسباب ما يجذبهم شيئا فشيئا إلى المجتمع المسلم، ويجعلهم أفرادا من أفراده، وهذا هو المقصود الذي لأجل تحقيقه أباح الإسلام التمتع بالسراري.

 

وللإسلام من وراء إباحته للتسري بالجواري كثير من الحكم والمنافع التي تعود على المجتمع كله، وعلى أفراده وعلى الجواري أنفسهن بالخير والنفع نسردها فيما يأتي:

 

1. حماية الأسيرات من الوقوع في الفاحشة:

 

حين أباح الإسلام نظام التسري، إنما قصد من ذلك تخليصهن من التشرد والبغاء. فبينما كانت أسيرات الحرب في الأنظمة غير الإسلامية يهوين في مستنقع الفاحشة؛ حيث يفقدن في الغالب من يعولهن، حرص الإسلام على سمعتهن وأخلاقهن، لهذا قصر التمتع بهؤلاء الجواري على أسيادهن فقط، وعليهم إطعامهن وكسوتهن، وحفظهن من الفاحشة، وإرضاء حاجاتهن الجنسية.

 

2. حماية المجتمع من الانحلال الجنسي:

 

ففي نظام التسري في الإسلام حماية للمجتمع من الفوضى الجنسية والإباحية؛ فهؤلاء الأسيرات لو أطلق سراحهن بعد الحرب وبعد فقد من يعولهن، فلا بد أن يبحثن عن شيء يتكسبن به، وأيسر شيء لهن هو امتهان الرذيلة، فأراد الإسلام أن يحمي المجتمعات المسلمة من هذه الفوضى والإباحية؛ وذلك عن طريق تشريعه لمبدأ التسري.

 

3. حل مشكلة الزواج لغير القادر:

 

فمن لم يستطع الزواج من حرة مثلا لغلاء مهرها؛ تزوج من أمة أو ملك يمين اشتراها؛ ليشبع غريزته من حلال، ويعصم نفسه بملك اليمين. قال عز وجل)ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف (النساء25

 

4. التسري وسيلة لتحرير الرقيق:

 

لقد أباح الإسلام للرجال أن يعاشروا ما ملكت أيمانهم؛ ليكون ذلك وسيلة إلى تحديد العبيد، وقد استغل الإسلام في ذلك ميول الغريزة للقضاء على روافد الرق، ولكي يتحقق هذا الغرض الإنساني النبيل على أتم صورة وأكمل وجه، أجاز الإسلام للرجل أن يتسري بجواريه بدون تقيد بعقد ولا بعدد؛ فلم يقيده بتعاقد ولا إيجاب ولا قبول؛ لأنه وسيلة تؤدي إلى حرية الجارية وحرية جميع نسلها إلى يوم القيامة - لا يصح أن تتوقف على رأيها وقبولها؛ بل ينبغي أن تذلل سبلها بمجرد إقدام السيد عليها.

 

ولهذا أيضا لم يشترط الإسلام عددا معينا؛ لكي تشمل نعمة الحرية أكبر عدد ممكن؛ وليقضي على الرق في أقصر وقت مستطاع.

 

حيث شرع الإسلام أن الجارية التي تلد من سيدها يكون ولدها حرا، وتكون هي الأخرى حرة بعد موت سيدها، ولا يجوز بيعها في حياة سيدها، ولا يجوز للورثة أن يستعبدوها؛ فنظام التسري إذن من أعظم الأنظمة التي تؤدي إلى تحرير الإماء في الإسلام، لا التشجيع على استرقاقهن كما يزعم بعضهم.

 

فحينما شرع الإسلام نظام التسري شرعه ليحل به مشكلة شائكة قد يتعرض لها المسلمون بعد الحرب، وهي وجود آلاف الأسيرات من نساء العدو عند المسلمين، ولم يرد هذا العدو أن يستنقذهن بدفع الفدية لهن، أو تسريح ما أصاب من نساء المسلمين مقابلهن، فلا شك أن المسلمين مضطرون لذلك إلى الإمساك بهن، فكما لا يجوز حبسهن بصفة دائمة، لا يجوز كذلك تسريحهن في دار الإسلام؛ حتى لا يفسد المجتمع المسلم وتنتشر به جراثيم الخلاعة والمجون، من ناحية، وتوصم جباههن بالعار والذل إلى الأبد من ناحية أخرى؛ ومن ثم كان لا بد من توزيعهن بين أفراد الأمة، مع أمر سادتهن بالتمتع بهن، وقصرهن على أنفسهم فحسب، أو يزوجوهن من غيرهم حتى لا يقترفن الفاحشة، ويتخذن الأخدان في المجتمع، كما شدد الإسلام على نهي السادة أن يجبروا جواريهم على الزنا، يقول عز وجل)ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا( (النور33

 

أما إذا مالت إحداهن إلى الفجور، فإن عليها نصف ما على المحصنات من العذاب، قال عز وجل )فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب( (النساء25، وهكذا سد الإسلام على الإماء طريق البغاء والفجور، سواء رغبن فيه أو أكرهن عليه. لكن هل من الإنسانية في شيء أن تمنع الإماء من مطلب من مطالب النفس وغرائز الطبيعة؟! أليس لهن ما للحرائر من حقوق في تلبية هذه المطالب؟!

 

وقد اختار الإسلام طريقين لتحقيق مآربهن الفطرية، بطريقة شريفة، دون الإضرار بأخلاق المجتمع، وهما:

 

· أن يزوجهن سادتهن من غيرهم، وفي ذلك يقول عز وجل)وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم(النور32 وكذلك أباح لمن من لم يستطع من المسلمين أن يتزوج حرة ،لفقره، في أن يتزوج أمة من الإماء على صداق يسير، قال عز وجل)ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات( (النساء25 ،وبهذا يتحول الحق من السيد إلى الزوج؛ لأنه بمحض إرادته حول حقه إلى غيره على صداق قد ناله.

 

وبناء على ذلك فإن أمثال هؤلاء الإماء من المحصنات قد حرمهن النص القرآني على كل أحد غير أزواجهن، قال عز وجل: )فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان( (النساء:25).

 

· أن يتمتع بهن السيد نفسه، وذلك على ثلاثة أوجه:

 

- أن يتمتع بها السيد على أنها ملك اليمين، وهو قيد من قيود الزواج.

 

- أن يعتقها ثم يتزوجها ويعتبر العتق صداقها.

 

- أن يعتقها ثم يتزوجها على صداق جديد.

 

وقد آثر النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني والثالث من هذه الوجوه، وحث عليهما المسلمين في العديد من الأحاديث، يقول صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل كانت عنده وليدة - أي أمة - فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها - فله أجران".ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النوع الثالث: "إذا أعتق الرجل أمته، ثم تزوجها بمهر جديد، كان له أجران".

 

وقد أيد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله؛ فقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه من صفية وجويرية - رضي الله عنهما - بعد أن أعتقهما أولا ثم أدخلهما في حيز الزواج.

 

هذا هو نظام التسري في الإسلام، يؤكد - بما لا يدع مجالا للشك - عظمة الشرع الإلهي وحكمته ومعرفته بما يصلح أحوال العباد.

 

ومن هنا يعلم أن نظام التسري، عندما يتم على وجه شرعي، طبق أحكامه وضوابطه المعروفة، وفي ظل الاسترقاق الذي يعلنه الحاكم المسلم، لا يختلف عن الزواج في كونه علاقة جنسية محصنة ضد المفاسد والآفات التي قد تتسرب إليها.

 

 

الخلاصة:

 

· التسري هو اتخاذ الأمة المملوكة للجماع من قبل سيدها، وقد عرف التسري - بهذا المعنى - في جميع الأمم السابقة قبل الإسلام، وكذلك فعله بعض الأنبياء كإبراهيم وسليمان عليهما السلام، وقد أقر الإسلام هذا النظام وأجازه بالكتاب والسنة والإجماع، ولكن بشروط خاصة تكفل للجارية حقها، وتصون كرامتها الإنسانية.

 

لقد كان للإسلام كثير من الحكم والمصالح من إباحته لنظام التسري بالجواري، أهمها: حماية الأسيرات من التشرد والوقوع في الفاحشة، وحماية المجتمع من الانحلال الجنسي والإباحية، وحل مشكلة الزواج لغير القادر؛ فالتسري هو نفسه وسيلة لتحرير الرقيق.

 

 

بتصرف من مقال:الزعم أن إباحة الإسلام التسري بالجواري دعوة إلى الدعارة وتشجيع على الرق

 

 

أضف تعليق

Les points de vues exprimés dans les commentaires reflètent ceux de leurs auteurs mais ne reflètent pas nécessairement le point de vue officiel de Yawatani.com qui, par conséquent, ne pourra en être tenu responsable.
De plus, Yawatani.com se réserve le droit de supprimer tout commentaire qu'il jurera non approprié.


كود امني
تحديث